الشرك في الربوبية وفي العبودية

[مفاهيم]

الشرك في الربوبية وفي العبودية

بسم الله الرحمن الرحيم

الشــــرك يكون في الربوبية وفي العبودية وهما من خصائص الإلهية

أولا :- الشرك في الربوبية يكون : 1. في التشبه بالأسماء والصفات 2. في الأمر والتشريع والحكم
1 . الشرك من ناحية التشبه بأسمائه تعالى و أوصافه و أفعاله من العظمة والكبرياء والأحياء والإماتة وغيرها من الصفات الأخرى :-
يقول ابن القيم (( أن يتعاطى ما لا يصح له من صفات الربوبية كالعظمة والكبرياء والجبروت والقهر والعلو واستعباد الخلق ونحو ذلك ..... وهذا القسم أعظم أنواع الذنوب ويدخل في ذلك القول على الله بلا علم في خلقه وأمره فمن كان من أهل هذه الذنوب فقدنازع الله سبحانه وتعالى في ربوبيته وملكه وجعل لله نداً وهذا أعظم الذنوب عند الله ولا ينفع معه عمل )) الجواب الكافي ج1ص 86 .
(( فمن تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم والخضوع والرجاء وتعليق القلب به خوفا ورجاء والتجاءاًً واستعانة فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته وإلهيته وهو حقيقٌ بان يهينه الله غاية الهوان ويذله غاية الذل )) الجواب الكافي ص 161
قال تعالى مبيناً حال فرعون وادعائه الربوبية { قال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى } النازعات الآية 25
(( وإذا كان المصور الذي يصنع الصورة بيده من اشد الناس عذابا يوم القيامة لتشبهه بالله في مجرد الصنعة فما الظن بالتشبه بالله في الربوبية والإلهية ، إن هذا حال من تشبه به في صنعه صورة فكيف حال من تشبه في خواص ربوبيته وإلهيته ؟ وكذلك من تشبه في الاسم الذي لا ينبغي إلا لله وحده كملك الملوك وحاكم الحكام ونحوه ))الجواب الكافي ص 162 .
(( ومن هذا شرك الذي حاج إبراهيم في ربه { إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت} البقرة 258 * فهذا جعل نفسه ندا لله يحيي ويميت بزعمه كما يحي الله ويميت )) الجواب الكافي ص154 .
وغالب ما يكون هذا الشرك شرك التشبه ((بالأسماء والأمر)) شرك الربوبية عند السادة والكبراء والملوك
2 . الشرك في الأمر والملك والحكم والدين والسلطان :-
فالرب سبحانه وتعالى هو الخالق المالك المتصرف وله الأمر والدين والهدى والحكم والشرع يشرع لعباده ويتصرف فيهم بأمره وحكمه ودينه ، فلا ينبغي للعباد أن يشرعوا ديناً غير دين الله فأن ذلك منازعة لربوبيته سبحانه
قال تعالى:{ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } الشورى .
قال تعالى:{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما}النساء/ 46
قال تعالى:{ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون}الجاثية /18 .
فالذي يتسلط على الناس ويسوسهم بدين غير دين الله فقد نازع الله ربوبيته وتشبه به .
{.. ألا له الخلق والأمر ..} الأعراف/45 .{ أفغير الله ابتغي حكماً وهو الذي أنزل أليكم الكتاب مفصلاً } الأنعام / 114
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ((فاشتملت السورة على ذم من أتى بدين باطل ككفار العرب ومن خالف الدين الحق كله كالكفار بالأنبياء أو بعضه ككفار أهل الكتاب‘ وقد جمع سبحانه في هذه السورة - الأعراف - وفي الأنعام وفي غيرها ذنوب المشركين في نوعين أحدهما أمر بما لم يأمر به كالشرك ونهي عما لم ينه الله عنه كتحريم الطيبات فالأول شرع من الدين ما لم يأذن به الله والثاني تحريم ما لم يحرمه الله . وكذلك في الحديث الصحيح حديث عياض عن النبي r عن الله تعالى { إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين فحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم انزل به سلطاناً }..)) مجموع الفتاوى ج1ص67 .
(( وأما غير رسل الله وأنبيائه فليس لهم أن يبدلوا دين الله ولا يبتدعوا في الدين ما لم يأذن به الله والرسل إنما قالوا تبليغا عن الله فإنه سبحانه له الخلق والأمر فكما لا يخلق غيره لا يأمر غيره أن الحكم إلا الله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) مجموع الفتاوى ج28ص614
فأصل شركهم أيجاد دين غير دين الله إذ يقول ابن القيم (رحمه الله) (( فلما كان الشرك أكبر شيء منافاة للأمر الذي خلق الله له الخلق وأمر لأجله بالأمر كان أكبر الكبائر عند الله ، فأن الله سبحانه خلق الخلق وأنزل الكتاب لتكون الطاعة له وحده والشرك والكبر ينافيان ذلك .. )) الجواب الكافي 155
(( فأنه سبحانه له الخلق والأمر * والأمر هو شرعه ودينه الذي بعث به رُسُله وأنزل به كتبه ...)) مفتاح دار السعادة 1/87 .
(( فكل من اتبع تشريعاً غير تشريع الله فقد أتخذ ذلك المشرع رباً وأشركه مع الله )) الشنقيطي :أضواء البيان 7/162
يقول الشنقيطي (( إن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله عز وجل على ألسنة رسله انه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي ...)) أضواء البيان 4/ 83 ، 91
ويقول احمد شاكر (( إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس هي كفر بواح ولا خفاء فيه ولا مداورة ...)) عمدة التفسير 4/173 .
(( قال أبو البحتري : أما أنهم لم يصلوا لهم ولو أمروهم أن يعبدونهم من دون الله - بمعنى الركوع والسجود- ما أطاعوهم ولكن أمروهم فجعلوا حلال الله حراماً وحرامه حلال فأطاعوهم فكانت تلك ربوبيتهم . )) الفتاوى 7/67 .
فعلى سبيل المثال قصة فرعون حيث أدعى الربوبية فقال { فقال أنا ربكم الأعلى } النازعات / 24 .
فربوبيته ليست في خلقه السماوات والأرض وإنه مدبرهما ومالكهما وإنما ربوبيته لمملكة مصر وانه هو مالك تلك المملكة وان جميع أهاليها عبيد له وان سلطته أساس لاجتماعهم وأمره قانون حياتهم النافذ فيهم .
قال تعالى : {.. قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه ألأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون } الزخرف / 51 .
قال تعالى : { ... قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } غافر /29 .
قال تعالى : { فأستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين } الزخرف / 54 .
قال تعالى : { واتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه ...} هود / 96 .
فربوبية فرعون كانت في الملك والسلطان من جهة والأمر والشرع والدين وتعبيد الناس لأمره من جهة أخرى .

معنى كلمة الــرب :- **تابع لموضوع (( شرك الربوبية

(( وإما تأويل قوله : (رب) فان الرب في كلام العرب متصرف إلى معان : فالسيد المطاع فيها يدعى رباً .... والرجل المصلح الشيء يدعى رباً .... والمالك للشيء يدعى ربه. وقد يتصرف أيضا معنى الرب في وجوه غير ذلك غير أنها تعود إلى بعض هذه الوجوه الثلاثة ، فربنا جل ثناؤه السيد الذي لا شبيه له ولا مثل في سؤدده ، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليه من نعمه ، والمالك الذي له الخلق والأمر.... )) الطبري ج1ص62
يقول ابن القيم (( المَلكُ الحق : هذه الصفة تستلزم سائر صفات الكمال ..... وكيف يوصف بالملك من لا يأمر و لا ينهي لا يثيب ولا يعاقب )) أسماء الله الحسنى ص91
يقول ابن القيم (( فأن الربوبية تقتضي أمر العباد ونهيهم وجزاء محسنهم بإحسانه ومسيئهم بإساءته وذلك لا يتم إلا بالرسالة والنبوة )) مدارج السالكين ج1ص8 .
يقول الغزالي (( أما استحقاق نفوذ الأمر فليس إلا لمن له الخلق والأمر فإنما النافذ حكم المالك على مملوكه ولا مالك إلا الخالق فلا حكم ولا أمر إلا له ... )) المستصفي ج1ص275 .
(( إفراده بنوعي التوحيد ،توحيد ربوبيته استعانة به ، وتوحيد الاهيته عبودية له )) شفاء العليل ص379
قال تعالى : ( قُلْ أغير اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ) الأنعام / 164
ويقول ابن حزم (( فان قال قائل كيف اتخذ اليهود والنصارى أربابا من دون الله وهم ينكرون هذا قلنا وبالله التوفيق : إن التسمية لله عز وجل فلما كان اليهود والنصارى يحرمون ما حرم أحبارهم ورهبانهم ويحلون ما أحلوه كانت هذه ربوبية صحيحة وعبادة صحيحة قد دانوا بها وسمّى الله تعالى هذا العمل اتخاذ أرباب من دون الله وعبادة وهذا هو الشرك بلا خلاف )) الفضل ج3ص266 .
قال تعالى :{ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأرباب مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } يوسف/39
قال تعالى:{ وَلاَ يَأمركُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أرباباً أيأمركُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}آل عمران/80
(( وقال تعالى ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا) هذا حق الخالق (ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) وهذا حق المخلوق ( فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون ) ... )) بغية المرتاد ج 1ص 497
(( قال ابن جريج في قوله تعالى: {ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابا من دون الله}، يقول: لا يطع بعضُنا بعضًا في معصية الله. ويقال إنّ تلك الرُّبوبية: أن يطيعَ الناس سادَتهم وقادتهم في غير عبادة ، وإن لم يصلُّوا لهم.)) تفسير الطبري ج6ص488.
(( عن عدي بن حاتم قال: أتيت رسولَ الله ( صلى الله عليه وسلم) وفي عُنُقي صليبٌ من ذهب، فقال: يا عديّ، اطرح هذا الوثنَ من عنقك ! قال: فطرحته ، وانتهيت إليه وهو يقرأ في "سورة براءة"، فقرأ هذه الآية:{اتخذوا أحبارهم ورُهبانهم أربابا من دون الله}، قال قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدُهم ! فقال : أليس يحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه، ويحلُّون ما حرَّم الله فتحلُّونه؟ قال: قلت: بلى! قال: فتلك عبادتهم ..... )) تفسير الطبري ج14ص210.
(( أما إنهم لم يكونوا يصومون لهم ولا يصلون لهم ولكنهم كانوا إذا احلوا لهم شيئاً حرمه الله استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئاً أحله الله حرموه ، فتلك كانت ربوبيتهم )) تفسير الطبري ج14ص211 .
(( عن أبي البحتري، عن حذيفة ( رضي الله عنه): أنه سئل عن قوله تعالى : (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )، أكانوا يعبدونهم؟ قال: لا كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرَّموا عليهم شيئًا حرَّموه )) تفسير الطبري ج14ص211.
(( عن الحسن - اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً - في الطاعة )) الطبري ج10ص148.
((وعن ابـن عباس : لم يأمروهم أن يسجدوا لهم ولكن أمروهم بمعصية الله فأطاعوهم فسماهم الله بذلك أرباباً )) الطبري ج10ص149 .
(( إنهم أنزلوهم منزلة ربهم في قبول تحريمهم وتحليلهم لما لم يحرمه الله ولم يحله الله )) الطبري ج4ص106
(( قال مقاتل في قوله تعالى (ومن يتخذ الشيطان وليا) قال المراد بالولي انه بمعنى الرب .وقال أبو سليمان هو منه من الموالاة وإنما يتخذ الشيطان ربا من الأمر لا من حيث الخلق وذلك بطاعته وإتباعه )) القرطبي ج5ص388
قال تعالى :{ إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون } النحل/100
(( قال ألسدي قوله تعالى{ قل أغير الله اتخذ ولياً } أما الولي فالذي يتولونه ويقرون له بالربوبية )) زاد المسير ج3ص8
(( فمن لم يفعل ما أمر به لم يكن مستعيناً بالله على ذلك فيكون قد ترك العبادة والاستعانة عليها بترك التوكل في هذا الموضوع ...... )) ج8ص108
((مشهد التوحيد وهو أن يشهد انفراد الرب تبارك وتعالى بالخلق والحكم وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ....... فإن أول ما يتعلق القلب يتعلق بتوحيد الربوبية ثم يرتقي إلى توحيد الإلهية كما يدعو الله سبحانه عباده في كتابه بهذا النوع من التوحيد إلى النوع الآخر ويحتج عليهم به ويقررهم به ثم يخبر أنهم ينقضونه بشركهم به في الإلهية .............. وهكذا قوله في سورة النمل: قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أم ما يشركون أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون إلى آخر الآيات ... يحتج عليهم بأن من فعل لهم هذا وحده فهو الإله لهم وحده فإن كان معه رب فعل هذا فينبغي أن تعبدوه وإن لم يكن معه رب فعل هذا فكيف تجعلون معه إلها آخر ولهذا كان الصحيح من القولين في تقدير الآية أإله مع الله فعل هذا حتى يتم الدليل فلا بد من الجواب بلا فإذا لم يكن معه إله فعل كفعله فكيف تعبدون آلهة أخرى سواه فعلم أن إلهية ما سواه باطلة كما أن ربوبية ما سواه باطلة بإقراركم وشهادتكم )) مدارج السالكين ج1ص410
(( فإن هاتين السورتين سورتا الإخلاص والكافرون وقد اشتملتا على نوعي التوحيد الذي لا نجاة للعبد ولا فلاح إلا بهما وهما توحيد العلم والاعتقاد المتضمن تنزيه الله عما لا يليق به من الشرك والكفر........... فتضمنت السورة إثبات ما يليق بجلاله من صفات الكمال ونفي ما لا يليق به من الشرك أصلا وفرعا ونظيرا فهذا توحيد العلم والاعتقاد والثاني توحيد القصد والإرادة وهو أن لا يعبد إلا إياه فلا يشرك به في عبادته سواه بل يكون وحده هو المعبود وسورة قل يا أيها الكافرون مشتملة على هذا التوحيد فتضمنت السورتان نوعي التوحيد وأخلصتا له فكان يفتتح بهما النهار في سنة الفجر ويختم بهما في سنة المغرب)) بدائع الفوائد ج1ص145
ألا له الخلق والأمر
(( أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن العباس قال أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا سعيد بن نصير ابو عثمان الواسطي الشعيري في مجلس خلف بن هشام البزار قال سمعت ابن عيينه يقول ما يقول هذا الدويه يعني بشر المريس قالوا يا أبا محمد بن أبي عمران القرآن مخلوق قال فقد كذب قال الله عز وجل ألا له الخلق والأمر فالخلق خلق الله والأمر القرآن )) اعتقاد أهل السنة ج2 ص219
(( فلذلك إذا قال الله ألا له الخلق والأمر لأن الخلق غير الأمر فهو منفصل إثبات أن القرآن وحيا وليس بمخلوق )) الرد على الزنادقة والجهمية ج1 ص26
قوله تعالى : { ألا له الخلق والأمر } فيه مسألتان :الأولى : صدق الله في خبره فله الخلق وله الأمر خلقهم وأمرهم بما أحب وهذا الأمر يقتضي النهي قال ابن عيينة : فرق بين الخلق والأمر فمن جمع بينهما فقد كفر فالخلق المخلوق والأمر كلامه الذي هو غير مخلوق )) تفسير القرطبي ج7ص195
(( فالله عز وجل منفرد بالتدبير فهو الذي يدبر الخلق يدبر السماوات والأرض كما قال الله سبحانه وتعالى ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين وهذا التدبير شامل لا يحول دونه شيء ولا يعارضه شيء والتدبير الذي يكون لبعض المخلوقات كتدبير الإنسان أمواله وغلمانه وخدمه وما أشبه ذلك هو تدبير ضيق محدود ومقيد غير مطلق فظهر بذلك صدق صحة قولنا إن توحيد الربوبية هو إفراد الله بالخلق والملك والتدبير النوع الثاني توحيد الألوهية هو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة بأن لا يتخذ الإنسان مع الله أحدا يعبده ويتقرب إليه كما يعبد الله تعلى ويتقرب إليه وهذا النوع من التوحيد هو الذي ضل فيه المشركون الذين قاتلهم النبي )) فتاوى مهمة ج1ص8
(( فالتوحيد ثلاثة أنواع توحيد الربوبية وتوحيد الاسماء والصفات وتوحيد العبادة والأولان وسيلة إلى الثالث فهو الغاية والحكمة المقصود بالخلق والأمر وكلها متلازمة فناسب التنبيه على الإيمان بتوحيد الصفات )) تيسير العزيز الحميد ج1ص511
ثانياً :- الشرك في العبودية يكون :
1. شرك الاعتقاد و الإيمان :ـ
أ . من اعتقد في مخلوق انه ضار نافع رازق ..... وما إلى ذلك من هذه المعاني ونحوها .
ب . من اعتقاد بشعار ومبدأ ودين بغير سلطان من الله وقبله ورضي به .
فهذا قد وقع في شرك الاعتقاد والإيمان بربوبية غير ربوبية الله سبحانه وتعالى وشبه هذا المخلوق بالخالق في هذين الاعتقادين .
وقد يجتمع هذان الاعتقادين وقد ينفصلان حسب حال المُعتقِد في المُعتَقَد به . فقد يعتقد بضر ونفع الأصنام والحجر وأصحاب القبور ..... من جهة و يعتقد بشعار وشرع وقانون من جهة أخرى ، وقد يجتمع الاعتقادين في جهة واحدة وغالب ما يكون هذا في السادة والكبراء المنازعين لربوبية الله في الكبرياء والعظمة والدين . إذ لا يعقل أن تشرع الأصنام وغيرها من المعبودات دينا وقانونا يتبع فتفرد بالاعتقاد الأول دون الثاني .
2. شرك العبادة والتأله :ـ يترتب على (( شرك الاعتقاد )) آثـــار على القلب والجوارح
فعلى القلوب هو خوفه ورجائه ومحبته ودعائه ......... وما إلى ذلك من هذه المعاني ونحوها
فمن علق هذا المعاني بمخلوق فقد شبهه بالخالق .
وعلى الجوارح من السجود والركوع والطواف والنذر ... وما إلى ذلك من الشعائر العبادية فمن
أمضى ذلك لغير الله فقد شبهه بالخالق .
3. شرك الطاعة والاستسلام .
من الطاعة والاستسلام والتحاكم فمن جعل ذلك لغير الله فقد شبهه به في خالص حقه .
يقول ابن القيم (رحمه الله) (( قال أصحاب هذا الشرك لآلهتهم وقد جمعهم الجحيم { تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين }الشعراء /97 . ومعلوم أنهم ما سووهم به سبحانه في الخلق والرزق والإماتة والإحياء والملك والقدرة وإنما سووهم في الحب والتأله والخضوع لهم والتذلل وهذا غاية الجهل والظلم فكيف يُسوّى التراب برب الأرباب وكيف يسوى العبيد بمالك الرقاب ..... فأي ظلم أقبح من هذا وأي حكم اشد جوراً من حيث عدل من لا عدل له بخلقه كما قال تعالى :{ الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون }الأنعام/1 ... )) الجواب الكافي ص 156
يقول ابن تيمية (رحمه الله) (( الشرك في العبادة والتأله و الشرك في الطاعة والانقياد والشرك في الإيمان والقبول ، فالإشراك في العبادة والتألــه : يكون بتقديم الشعائر التعبدية لغيره وبدعاء غيره تعالى وبتقديم بعض أنواع العبادة لغيره كالمحبة والرجاء والخوف والخشية والاستعانة و الاستغاثة والتعظيم والتوكل والذل و الخضوع والرغبة والرهبة والإنابة والتعلق . والإشراك في الطاعة والانقياد : يكون بطاعة غير الله تعالى كما قال النبي محمد r لعدي بن حاتم لما سمعه عدي يقرأ { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم }، فقال يا رسول الله ما عبدوهم قال ( أما إنهم لم يكونوا يعبدوهم ولكنهم كانوا إذا احلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا شيئا حرموه ) ... أما الإشراك في الإيمان والقبول : فيكون بقبول أقوال الناس في أمور الاعتقادات الخبرية ، وفي تصحيح بعض المقالات وإفساد بعضها ومدح بعضها وبغض القائلين بها وذم بعض بلا سلطان من الله ، أما من شرع الله تصديقه من المرسلين والعلماء المبلغين الصادقين فأمرهم يختلف . فباب الطاعة وباب التصديق ينقسم إلى مشروع في حق البشر وغير مشروع ، وأما العبادة والاستعانة والتأله فلا حق فيها للبشر بحال )) مجموع الفتاوى ج1 ص 97 .
قال تعالى :{ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل والله أعلم بأعدائكم وكفي بالله وليا وكفي بالله نصيرا } النساء /44 .
أخي الكريم :- توقف وتأمل وتدبر هذه الآية ثم انظر إلى الواقع الإسلامي الآن ثم اسمع إلى قوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيماً }النساء /116 هذه الآية جاءت بعد { يشترون الضلالة } الضلالة ( الأهواء والمبادئ والأفكار) التي ما انزل الله بها من سلطان ثم{ فقد افترى إثما عظيما } ثم قوله تعالى :{ الم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا .... } النساء/51... . كأن هذه الآيات تتكلم عن شرك التشريع بدليل { يشترون الضلالة }{ فقد افترى إثما عظيما } والله اعلم .
ثم استمع إلى قوله تعالى : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا }النساء/115. الآية تتكلم عن الإتباع والمشاقة ثم بعدها مباشرة { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيد } النساء / 116 . والضلال لا يكون إلا بعد إتباع الهوى قال تعالى :{ ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } ص /26 وكالتشريعات المخالفة لدين الله أهواء قال تعالى :{قل لا اتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين} الأنعام /56. وقال تعالى :{ ثم جعلناك على شريعة من الأمر فأتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون }الجاثية /18
والضلال البعيد : يجمع نوعي الشــــــــــرك (( شرك التشريع وشرك الطاعة والتحاكم له ))
قال تعالى :{ الم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما انزل إليك وما انزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا } النساء/60 آيتي الشرك لم تذكر إلا في سورة النساء فقط
(( الطاغوت شيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم )) تفسير ابن كثير ج5ص 525

(( فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله(( أعلام الموقعين ج1ص50 .

المصدر: mhiptv.org/forums

---

hgav; td hgvf,fdm ,td hguf,]dm