mhiptv.org |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
06-04-2022, 02:04 PM | #1 |
المشــــــرف العـــــام تاريخ التسجيل: Apr 2020
المشاركات: 4,956
|
تفسير قوله تعالى : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس.
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. . أما بعد، ، { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } في هذه المساحة المختصرة، سنتناول الحديث ضمن أربعةِ محاور؛ هي: 1- معنى الآية الكريمة. 2- الأدب مع الوحي الإلهي. 3- رحلتا الإسراءِ والمعراجِ حق. 4- سُنتُهُ فينا كشخصهِ الكريم في زمنهِ صلى الله عليه وسـلم. المحور الأول: معنى الآية الكريمة؛ وهو قوله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً ﴾ [الإسراء: 60]: أورد الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ﴾ قال: هو ما أُري في بيت المقدس ليلة أُسري به[1]. وعن قتادة ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ﴾ يقول: الله أراه من الآيات والعبر في مسيره إلى بيت المقدس. ذُكر لنا أن ناسًا ارتدُّوا بعد إسلامهم، حين حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيره، أنكروا ذلك وكذَّبوا له، وعجبوا منه، وقالوا: تحدِّثنا أنك سرت مسيرة شهرين في ليلة واحدة، فكانت تلك فتنةً للكافر[2]. وقال البغوي: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ﴾ فالأكثرون على أن المراد منه ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من العجائب والآيات[3]. قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول سعيد بن جبير والحسن ومسروق وقتادة ومجاهد وعكرمة وابن جريج والأكثرين، والعرب تقول: رأيت بعيني رؤية ورؤيا، فلما ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أنكر بعضهم ذلك وكذبوا فكان فتنة للناس[4]. المحور الثاني: الأدبُ مع الوحي الإلهي: إن من أصول الإيمان العظمى التي امتدحَ اللهُ بها الصادقين من عبادِهِ؛ الإيمان بالغيب، فقال جلَّ جلالُهُ: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 1 - 3]، فمن تشكَّكَ في ذلك قيد أُنمُلةٍ أو تمارى فيما هو الحقُّ من عندِ الله عز وجل، كان هو وإيمانُهُ على خطرٍ عظيم، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحجرات: 15]، وقال: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]. وهل كان إيمانُنا برسولِ الله صلى الله عليـه وسلم إلا غيبًا بالنسبةِ إلينا بل وإلى كُلِّ مَن جاء بعد زمنهِ الشريف بأبي هو وأمي! فمن العُجاب أن يدَّعي امرئٌ الإيمانَ به صلى الله عليـه وسلم ثم يجحدُ خَبَره! هذا لا يستقيم البتة! بل الحقُّ أن ذلكم الجاحد كأنهُ بمجلِسِ رسولِ الله صلى الله عليـه وسلم، ورسولُ الله يُخبِرُ عن ربِّه تعالى ويُخبرُ عن أنباءِ الغيب مما أطلَعَهُ عليهِ ربُّهُ العظيم تبارك وتعالى، ثم ما كان من هذا الجالس في ذلكم المجلس الشريف إلا أن يرُدَّ على رسولِ الله صلى الله عليه وسـلم قولَهُ وخَبَرَه، فما الظنُّ بإيمانِه؟! والحقُّ أنهُ لا يبعُدُ عمن كذَّب رسالةَ النبي صلى الله عليـه وسلم؛ إذ الإيمانُ ببعثتهِ ورسالتهِ صلى الله عليـه وسلم مستلزمٌ للإيمان بخبرِهِ وكل ما يقول بأبي هو وأمي، ما دامَ أن العقل قد دلَّ على صدقِهِ ابتداء؛ وهذا مقتضى شهادة (أن محمدًا رسولُ الله). فقد لُقِّب بالصادق الأمين بين قومِهِ قبل بعثته الشريفة صلى الله عليـه وسلم، ولم يجرؤ أحدٌ من كُفارِ قريش على أن يصفَهُ بالكذب؛ وإنما قالوا: ساحر، وقالوا: كاهن، وقالوا: مجنون، وقالوا: صابئ، وهمُ الذين كانوا أحرَصَ الناس وأكثَرهم تحريًّا لردِّ ما جاء به من عِندِ ربِّهِ عز وجل، وهمُ الذين كانوا كُفارًا صُرحاء! وهمُ الذين كانوا يندفعون بذواتِهم لا من مؤثرٍ خارجيٍّ عنهم؛ كمختلَفِ المذاهب والتيارات الماثِلة في زماننا اليوم والتي يقودُ زمامَها أعداءُ محمدٍ صلى الله عليه وسـلم وأعداءُ ربِّهِ وأعداءُ دينِهِ والكتابِ الذي جاءَ به. وقد قال الله: ﴿ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ ﴾ [الأنعام: 33]، بل أبو جهل فرعون هذهِ الأمةِ يعترف بصدقِ رسولِ الله صلى الله عليـه وسلم؛ فقد أورد أهل السِّيَر والتاريخ أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسًا ليستمع منه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئًا، ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق، قال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ثم انصرفوا، فلما كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسَهُ فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق، فقالوا: لا نبرح حتى نتعاهد أن لا نعود. فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا، فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعتُ أشياء أعرفها وأعرف ما يُراد بها، وأشياء لا أعرفها ولا أعرف ما يراد بها، فقال الأخنس: وأنا والذي حلفت به. ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت؟! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نسمع به أبدًا ولا نصدقه. فقام عنه الأخنس بن شريق[5]. فإن قال قائلٌ: فإننا لا نكذِّبُ رسولَ الله صلى الله عليـه وسلم، وإنما نتمارى في نَقَلَةِ الحديث والرواة الذين نقلوا لنا تلكم الآثار والسُّنن! قيل لهم: أتؤمنون أن الله إذا أرادَ أمرًا هيَّأ أسبَابَهُ؟! أوَ تؤمنون بأن الله على كُلِّ شئٍ قدير؟! وأن القويّ القدير القادر سبحانهُ وتعالى الذي حفِظَ بئرَ زمزم التي مَنَّ بها على إسماعيل وأُمّه عليهما السـلام منذ الزمانِ الأبعد من مبعثِهِ صلى الله عليـه وسلم، إنَّهُ لقديرٌ على حِفظِ وحيه؟! وأن الكُلَّ عليـهِ هيِّنٌ سبحانه وتعالى؟! فإن قالوا: نعم؛ فقد أجابوا عن أنفسهم فيما تماروا فيه! وإن قالوا: لا؛ فقد عَرَّضوا أنفسهم لما لا طاقَةَ لهم به عند لقائهِ عز وجل بعد خروجِ هذهِ الأنفاس والعياذ بالله. هما جوابان لا ثالث لهما! إذ ليست في الشريعةِ مساحاتٌ رماديَّة إزاءَ ما يتعلَّقُ بالتصديقِ والتوحيد والعبودية الحقَّة الخالصة؛ لأن شجرة الإيمان لا تقومُ إلا على ساق التسليم والإذعان والانقياد؛ فإما البيضاء وإما الأخرى! كما يُبينُ حديثُ الهادي الصادق المصدوق صلى الله عليـه وسلم، قال: ((خلق الله آدم حين خلقه، فضرب كتفه اليمنى فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذَّرُّ، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحُمَم، فقال للذي في يمينه إلى الجنة ولا أبالي، وقال للذي في كتفه اليسرى إلى النار ولا أبالي))[6]. وأمَّا النَّقَلَة والرواةُ أصحاب الحديث من سلف الأمة رضوان الله عليهم؛ بدءًا من صحابةِ رسولِ الله صلى الله عليـه وسلم ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين؛ فقد دلَّ العقلُ والنقلُ على صدقهم وعَدَالتهم أيضًا، إذ هم حواريُّو رسولِ الله صلى الله عليـه وسلم وصحبه الكرام الذين زكَّاهم المولى عز وجل في كتابِهِ الكريم، فقال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29]، وقال سُبحانه: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]. وقال صلى الله عليـه وسلم: ((خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ))، قالَ عِمْرانُ: "لا أدْرِي: ذَكَرَ ثِنْتَيْنِ أوْ ثَلاثًا بَعْدَ قَرْنِهِ"[7]، وغيرها من النصوص الشرعية الكريمة. وإنما العلمُ عِلمان: علمُ غيبٍ وعلمُ شهادة، ولكلٍ منهما أدواتُهُ وآلاتُهُ؛ فأما علمُ الغيب فأداتُهُ الوحيُ الإلهي، وهو يمثِّلُ الصدق المطلق مُطلَقًا؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 87]، ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122]. وأما علمُ الشهادة فأدواتُهُ الحِس والمشاهدة والتجربة، وغايةُ أمرِ العقل أن يدُلَّ على صدق النبيِّ صلى الله عليـه وسلم، فيؤمِن، ثم يُحسِن الأخذ والتلقِّي والاستسلام والانقياد دونَ أن يتقحَّمَ أو يخوض فيمَا لم يؤمر أو يُؤذَن له بالخوضِ فيه، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [الإسراء: 36]. ثم يدُلُّ أخرى على عَدالةِ خيرِ صحبٍ وخيرِ أجيالِ الأمَّةِ وقرونها، التي مَثَّلت المقامات الرفيعة من عبوديات الظاهر والباطن؛ من الخشية والتقوى والورَع والتفاني في خدمةِ دينِ الله تعالى، امتثالًا لأمرِ رسولِ الله صلى الله عليـه وسلَّم: ((بلغوا عني ولو آية))[8]، واقتداءً بسيرته العَطِرة، وحُبًّا وتعظيمًا للهِ تعالى. وشذى العَرْفِ يشهدُ لتلكم السِّيَر الزكيَّة، رُضوان الله عليهم أجمعين؛ لذا فالواجبُ على المسلمِ التسليم والانقياد كما سَلَّمَ وانقادَ الأوَّلون من خيرِ القرون، ليكون المؤمن الحق؛ قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]. فأمَّا المسلكُ الأول؛ وهو كيفية التعامل مع الوحي وأنباء الغيب؛ فيُعلمنا إيَّاهُ رسولُ الله صلى الله عليـه وسلم الذي قال: ((أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنِّي رسولُ اللهِ))[9]، فقد أخرج الإمام مسلم رحمهُ الله في صحيحهِ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليـه وسلم: ((بينما رجلٌ يسوق بقرة له قد حمل عليها، فالتفتت إليهِ البقرةُ، فقالت: إني لم أُخلق لهذا، ولكني إنما خُلقتُ للحرث))، فقال الناس: سبحان الله! - تعجبًا وفزعًا- أبقرةٌ تكلَّم؟! فقال رسولُ الله: ((فإني أومن به، وأبو بكرٍ وعُمر))[10]. ففي هذا الحديث إخبار النبي صلى الله عليـه وسلم عن إيمانِهِ بذلك الغيب الذي أطلَعَهُ الله عليه، وإخبارُهُ صلى الله عليـهِ وسلم عن حالِ أبي بكر وعمر تجاه ذلك رغم تعجُّب الناس، وأنهما على يقينٍ بما أخبر به صلى الله عليـه وسلم، لا يُزلزِلُهُ تعجُّبُ الناس، ولا عدم إدراكهم حقيقة المخبِر عنه[11]. وغيرها من الأمثلة. وأما المسلكُ الثاني؛ وهو الثقةُ في خبرِهِ صلى الله عليـه وسلم وتيَقُّنِ صِدقه؛ فنستفيدُهُ من مواقِفِ سَلَفِ الأمة رضوان الله عليهم، وأوَّلهم الصدِّيق رضي الله عنه، وكلمتُهُ الأدبية الحكيمة حين جاء ناسٌ من قريشٍ إليهِ، فقالوا: "هل لك في صاحبك يزعمُ أنهُ أتى بيت المقدس ثم رجع إلى مكة في ليلةٍ واحدة، قال أبو بكر: "أوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لقد صدق"[12]. وهذهِ من أعزِّ قواعِدِ الإيمان. ولما سأل رجلٌ الإمام الزُّهْري: يا أبا بكر، قول النبي صلى الله عليـه وسلم: ((ليس منا من شق الجيوب))[13]، ما معناه؟ فقال الزُّهْري: من الله العلم، وعلى رسُولِهِ البلاغ، وعلينا التسليم"[14]. ولما سألَ رجلٌ عبد الله بن المبارك رحمهُ الله عن حديثِ نزول الربِّ عز وجل، قال: "إذا جاءك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخضع له"[15]. فالواجب على المسلم الإيمان والتصديق والإذعان والتسليم لما أنزل اللهُ على لسانِ رسولهِ صلى الله عليه وسـلم، دون مُماراةٍ أو جدل، سواء فَهِمَ معناهُ أو لم يفهم[16]. لا سيَّما وأنَّ الله سبحانهُ وتعالى قد قيَّضَ جهابذة العلماء، لتمحيص أسانيد[17] تلك الأخبار والمرويات ونقدها، وتمييز صحيحها من سقيمها، فنشأ علمُ الجرح والتعديل، وعلم تاريخ الرجال، وعلم مصطلح الحديث الذي يُعنى بالمرويات سندًا ومتنًا؛ فحفِظَ الله بذلك للأمةِ سُنَّة نبيِّها صلى الله عليـه وسلم وأيَّامه وآثاره بأبي هو وأمي. وصدق الله إذ يقول: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]. فالله عز وجل تكفَّل بحفظِ وحيهِ الشريف؛ وما الجهود والإمكانات الفطرية والمادية[18] التي هيأها سبحانهُ وتعالى لعلماء الأمة، من ذلكم الجيل الفريد، الذين كانوا بحق أُمناء الشريعة، وحُماة المِلَّة، فليس ذلك كُله إلا دليلًا باهرًا على قُدرته تبارك وعلا. فحقق الله بهم- وبأمثالهم من الخُلَّص العاملين ومن سارَ على منوالهم وطريقهم- وَعْدَهُ في حفظ وحيه الكريم، فكانت أناجيلهم صدورهم كما جاء وصفهم في الكتب السابقة، وكانوا في ذاتِ الوقت أُمَّةَ (اقرأ)؛ ليتبيَّن الإعجاز في العلائق الوثيقة بين أوِّلِ ما نزل وبين أداةِ العِلمِ وحفظهِ -وهي القلم- وأن تُراث الأُمَّةِ الخاتمة ودينها محفوظ بحفظ من خلق الإنسان؛ قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5]، فكما لا ارتياب في أنَّهُ الخالق جلَّ جلالُهُ، فكذلك لا ارتياب في قدرتهِ على حفظِ وَحيهِ مهما تطاولت القرون والدهور واشتدت بالأمةِ الخُطُوب[19]، فإنما أمرهُ إذا أراد شيئًا أن يقولَ له كن فيكون، وإن الله إذا أراد شيئًا هيَّأ أسبابه. قيل لعبد الله ابن المبارك: هذه الأحاديث؟ فقال: تعيشُ لها الجهابذة، ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]. وعنهُ أيضًا وعن غيره من الأئمة رحمهم الله جميعًا؛ الإسناد من الدين: "ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"[20]. وقال سفيان الثوري: "الإسناد هو سلاح المؤمن، فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل؟". المحور الثالث: رحلتا الإسراءِ والمعراجِ حق: سيقتصر الحديث في هذا المحور على جزئية تتعلق بهذهِ الحقيقة الشرعية، والتي اختلف أهل العلم حولها في جوابهم على تساؤل: هل أُسريَ وعُرِجَ بروحِهِ صلى الله عليـه وسلم أم بالروحِ والجسَدِ معًا؟ وقد أوردَ صاحب قصة الإسلام ما ذكرهُ أهلُ العلم القائلون بأن الإسراءَ والمعراج كانا بالروحِ والبدنِ معًا، وجمعهُ جمعًا بديعًا مختصرًا، فقال: أما جمهور علماء المسلمين فقد جزموا بأن الإسراء كان بالرُّوح والجسد يقظةً لا منامًا، معتمدين على أدلَّة كثيرة منها: 1- أنه ثبت أنَّ قريشًا كذَّبوه في الإسراء واستبعدوا وقوعه، ولو كان منامًا لما كذَّبوه ولا استنكروه؛ لجواز وقوع مثل ذلك وأَبْعَد منه لآحاد الناس. 2- أن التسبيح والتعجُّب في قوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا ﴾، إنما يكون في الأمور العظام، ولو كان ذلك منامًا لذكره الله تعالى كما ذكره عن إبراهيم وولده إسماعيل في قصَّة الذبح المعروفة، ولمَا كان له كبير شأن. 3- أن الله تعالى أثبت رؤيا القلب بقوله: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ [النجم: 11]، ورؤيا العين بقوله: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 17، 18]. وأمَّا قولهم أن الرؤيا-بالقصر- مختصٌّ برؤيا المنام، فيمكن ردُّ هذا الاستدلال عليهم بأنَّ هذا الاستعمال هنا في رؤيا العين دليل على أنَّ هذا اللفظ ليس خاصًّا بالمنام. 4- قوله تعالى: ﴿ بِعَبْدِهِ ﴾ [الإسراء: 1] يدلُّ على مجموع الروح والجسد. 5- أن التعبير القرآني جاء بلفظ ﴿ أَسْرَى ﴾ الذي يدلُّ على الستر والخفاء، وجعل هذا الستر والخفاء في مضمون سترٍ آخر هو الليل. 6- أنَّ عمليَّة الإسراء بهذه السرعة ممكنة في نفسها، بدليل أنَّ الرياح كانت تسير بسليمان عليه السـلام إلى المواضع البعيدة في الأوقات القليلة؛ قال تعالى: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 81]. 7- أن في قوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا ﴾ تصريحًا بالإسراء، وتوضيحًا في أنه وقع بالفعل للنبي صلى الله عليـه وسلم، وليس رؤيا مناميَّة، وإلا لما استحقَّ أن يذكره القرآن الكريم بكلِّ ما يحيطه من تنزيهٍ وتسبيح لله العلي القدير، وأيضًا لما استحقَّ هذا الحادث أن يختص بسورة من القرآن تُسَمَّى باسمه بين دفَّتي المصحف الشريف. 8- أن ما استندوا إليه من ظاهر بعض الروايات، كرواية البخاري: ((بينا أنا عند البيت مضطجعًا بين النائم واليقظان...))، و((إذ أتاني..)). أو رواية: ((بينا أنا نائم..)) أن هذه الروايات محمولة على ابتداء الحال، ثم صار إلى اليقظة الكاملة صلى الله عليه وسـلم. يقول ابن حجر رحمهُ الله: "وقد اختلف السلف بحسب اختلاف الأخبار الواردة؛ فمنهم من ذهب إلى أن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بجسد النبي صلى الله عليـه وسلم وروحه بعد المبعث، وإلى هذا ذهب الجمهور من علماء المحدِّثين والفقهاء والمتكلِّمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة، ولا ينبغي العدول عن ذلك؛ إذ ليس في العقل ما يحيله حتى يحتاج إلى تأويل"[21]. قال الإمام الآجرِّي رحمهُ الله: "والذين نقلوا إلينا هذه الأخبار همُ الذين نقلوا إلينا الأحكام من الحلال والحرام، وعلم الصلاةِ، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، فكما قَبِلَ العلماء عنهم ذلك كذلك قَبِلوا منهم هذه السُّنن، وقالوا: من ردَّها فهو ضالٌّ خبيث، يحذرونه ويحذرون منه"[22]. وما أحسن ما قالهُ التابعي الجليل عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة[23]: "عليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة، فإن السنة إنما جعلت ليستن بها ويقتصر عليها، وإنما سنها من قد علم ما في خلافها من الزلل والخطأ والحمق والتعمق، فارض لنفسك بما رضوا به لأنفسهم؛ فإنهم عن علم وقفوا وببصر نافذ كفوا، ولَهُم كانوا على كشفها أقوى، وبتفصيلها لو كان فيها أحرى، وإنهم لهم السابقون وقد بلغهم عن نبيهم ما يجري من الاختلاف بعد القرون الثلاثة; فلئن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم حدث حدثٌ بعدهم فما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، واختار ما نحته فكره على ما تلقوه عن نبيهم; وتلقاه عنهم من تبعهم بإحسان"[24]. المحور الرابع: سُنتُهُ فينا كشخصهِ الكريم في زمنهِ صلى الله عليه وسـلم: وقد دلَّ النقلُ والعقلُ على هذه الحقيقة الشرعية؛ وهي أن وجودَ سنَّتهِ صلى الله عليـه وسلم فيمن بعدهُ من أُمَّتِهِ كوجودِ شخصِهِ الكريم في عصرِ بعثته الشريفة؛ ولذلك أُثِرَ عن الإمام الترمذي رحمهُ الله قولُهُ لما أتمَّ تدوين الجامع: "من كان في بيته هذا الكتاب، فكأنما في بيته نبي يتكلم"[25]؛ حيثُ اشتمل على سُننِ رسولِ الله صلى الله عليـه وسلم القولية والفعلية والتقريرية جميعًا وسيرته وحياته صلى الله عليه وسـلم، ولا ينافي ذلك وجود بعض مالم يبلغ درجة الصحة أو الحُسن- وكل ذلك قد محَّصَهُ أهل العلم وبيَّنوه- وإنما اشتمل في مُجمَلِهِ على ما يتعلق بسيرةِ النبي الكريم وحياتِهِ الشريفة، كما لو كان بين ظهراني من اطَّلع على السُّنن، فإذا كانت هذهِ الفضيلة في السنن فكيف بالصِّحاح؟! وكيف بكتب الشيخَيْنِ منهما؟! يقول شيخ الإسلام في معرض كلامه عن قول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾ [النساء: 61]: ".. وَالدُّعَاءُ إلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ هُوَ الدُّعَاءُ إلَى سُنَّتِهِ"[26]. وقال الشوكاني: "قَوْلُهُ: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59].. والرَّدُّ إلى اللَّهِ: هو الرَّدُّ إلى كِتابِهِ العَزِيزِ، والرَّدُّ إلى الرَّسُولِ: هو الرَّدُّ إلى سُنَّتِهِ المُطَهَّرَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وأمَّا في حَياتِهِ فالرَّدُّ إلَيْهِ سُؤالُهُ، هَذا مَعْنى الرَّدِّ إلَيْهِما"[27]. فتلك أمثلةٌ لدلالة النقل، ومن ذلك أيضًا أن الله تعالى تكفَّل بحفظِ وحيه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، وذلك يشمل الكتاب والسنة المطهرة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]، وإذا كان كذلك -وهو كذلك- فمن ردَّ حديثًا ثابتًا عنهُ صلى الله عليـه وسلم، كان كمن ردَّ آيةً من كتابِ الله تعالى لا فرق بينهما. ومن جحد حديثًا ثابتًا عنهُ صلى الله عليـه وسلم في دواوين السُّنَّة العَطِرَة كان كمن جحدهُ في مجلسِ النبوَّةِ ورسولُ اللهِ يُخبرُ به، لا فرق بينهما إلا في شهودهِ ورؤيتهِ صلى الله عليـه وسلم وانعدامهما! قال ابن حزم: "فأخبر تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي، والوحي بلا خلاف ذِكر، والذكرُ محفوظ بنص القرآن. فصح بذلك أن كلامَه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله عز وجل، مضمونٌ لنا أنه لا يضيع منه شيء؛ إذ ما حفظ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء، فهو منقول إلينا كله"[28]. وقال ابن القَيِّم: "فعُلِمَ أن كلام رسول الله صلى الله عليـه وسلَّم في الدين كُلُّهُ وحيٌ من عند الله، وكلُّ وحيٍ من عند الله فهو ذِكرٌ أنزلهُ الله. وقد قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [النساء: 113] فَالْكِتَابُ: الْقُرْآنُ، وَالْحِكْمَةُ: السُّنَّةُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ))[29]، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أُوتِيَ السُّنَّةَ كَمَا أُوتِيَ الْكِتَابَ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ ضَمِنَ حِفْظَ مَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ؛ لِيُقِيمَ بِهِ حُجَّتَهُ عَلَى الْعِبَادِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ"[30]. وأما دلالة العقل؛ فما جاء في كتاب الله تعالى من الأمر باتباعه وطاعته صلى الله عليـه وسلم والاقتداءِ به والرد والتحاكم إليه، وذلك كثير في النصوص الشرعية، وهو مقتضٍ لحتمية اعتقاد حفظ السنة الشريفة؛ إذ لو لم تُحفظ لكانت تلك الأوامر والتعليمات الربانية بطاعة رسول الله واتباعه أمرًا بما لا يُطاق فيما تلا من الأجيال– تعالى الله علوًا كبيرًا- وهذا يُنافي حكمته ورحمته عز وجل، خاصة وأنَّ ببعثته صلى الله عليـه وسلم خُتمت الرسالات. كما أن التاليَ لكتاب الله تعالى يجد الآيات تخاطبُهُ؛ من مثل قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]، وقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59]، وغيرهما كثير. فلو لم يكن التأسي إلا برؤيةِ شخصهِ الكريم وشهوده، دون سنته المطهرة المحفوظة في دواوينها الشريفة، لتعطَّلت الشريعة وتضعضع الدين؛ فعُلِم أن لزوم سنتهِ بعد وفاته في وجوبها، كلزومها في حياته لا فرق بينهما إلا في الرؤية والمشاهدة والحضور. ولم يزل من عادةِ الأمم والممالك انتقالُ تراثها وآدابها وأخلاقها وعاداتها عبر الكتابةِ والتدوين[31]. ولا يتمارى في هذا عاقل؛ أن من عادةِ الولاة والخلفاء والملوك والأمراء أن يبعثوا بمكاتيبهم إلى من شاؤوا من عُمَّالهم يأمرونهم فيها بما شاؤوا. فإن قاموا بفعل ما وردهم ثم سُئلوا عنه، فسيقولون: هذا ما أمرني به الوالي أو الأمير. فإن قيلَ له: كيف؟ أوَ قد حضرته؟! فسيقول: لا؛ بل وردَ إليَّ مكتوبه! ما يدلُّ على أن وجودَ مكتوبِ الوالي وأمرِهِ كوجود شخصِهِ وأمرِهِ سواء بسواء، لا فرق إلا في انعدامِ الرؤية والحضور والمشاهدة. ولذلك لما مزَّق الشقيُّ كِسرى كتابَ رسولِ الله إليه، دعا عليه صلى الله عليـه وسلم بتمزيقِ مُلكه؛ إذ انتهاكُ الأدبِ مع كتابه صلى الله عليـه وسلم، كانتهاكِهِ في حضرته سواء بسواء. وختامًا؛ فإن مما تطمئنُّ إليه النفوس وتسكن وتركن وترتاح؛ أن يتعهَّد القويُّ الأمين بحفظِ ما ترومُ له حفظًا وتعهدًا ورعاية، وهو مخلوقٌ مثلها!- ولله المثلُ الأعلى- فكيف بما تعهَّد الخالقُ جلَّ وعلا بحفظه؛ واللهُ أجلُّ وأعظمُ وأقوى، وهو العليمُ الخبير والقويُّ العزيزُ الغالب، والقديرُ القادرُ المقتدر الذي لا يمتنعُ عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ [فاطر: 44]، فما الظنُّ بحفظِهِ ورعايته تبارَك وعَزّ؟! نسأل الله أن يثبت قلوبنا على دينه وطاعته حتى نلقاه. [1] تفسير الطبري. [2] تفسير الطبري. [3] تفسير البغوي. [4] تفسير البغوي. [5] البداية والنهاية لابن كثير، ج3، ص82- 83. [6] أخرجه الإمام أحمد في مسنده بإسنادٍ صحيح من حديثِ أبي الدرداء رضي الله عنه. وأخرجهُ أبو القاسم الطبري بمسند الشاميين، برقم (2213). [7] رواهُ البخاري. [8] رواهُ البخاري. [9] رواهُ مسلم. [10] كتاب فضائل الصحابة، "باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه"، حديث رقم (4401) وَ (2388). [11] منهج الاستدلال، جـ1، ص233. [12] فتح الباري لابن حجر، ج8، ص244. [13] وهو قوله صلى الله عليـه وسلم: ((ليسَ منَّا مَن شقَّ الجيوبَ وضربَ الخدودَ ودعا بدَعوَى الجاهليَّةِ))؛ أخرجهُ الإمام أحمد في مُسنده، وقال: إسنادُهُ صحيح، ج6، حديث رقم (79)، وأخرجهُ الترمذي وابن ماجه في سُننهما، وصححهُ الألباني، الأحاديث رقم (999) و(1298). [14] فتح الباري، كتاب التوحيد، "باب قول الله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته)"، ص513 [15] الشريعة، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي، ط2، 1420 هـ - 1999 م، دار الوطن - الرياض. [16] يدخل في هذا ما لا طاقة للعقل بِهِ من أمورِ الغيب التي علمها عند الله تعالى. والعاقلُ إن قيل له: "احمل هذهِ السيَّارة على كَتِفَيك!"، أجاب في عجب: "لا طاقَة لي بذلك ولا قُوة"، فكذلك العقلُ لا طاقَةَ لهُ ولا قوة في كثيرٍ مما يسمعُ ويعلم من أمورِ الغيب! فما بالُهم يؤمنون بما في حِسِّهم، ويكفرون بما ورَاءَ ذلك؟! [17] هي جمع إسناد، والإسناد عرَّفه ابن حجر بأنه: الطريق الموصل إلى المتن، ويُعرَّف بتعريفٍ أوضح فيقال: هو الرجال الذين يذكرهم المحدث مبتدئًا بشيخه منتهيًا بالرسول عليه الصلاة والسلام؛ شرح مقدمة صحيح مسلم، للشيخ عبد الكريم الخضير حفظهُ الله، ج1، ص9. المكتبة الشاملة: [18] من قوةِ الحفظ والضبط والتحري والإتقان، مع جودةِ الاستدلال والاستنباط، والتدوين والتحرير، والعناية بعقد مجالس العلم والحديث، إضافةً للرحلة في طلبِ الحديث من أئمته الكبار، مع ما رزقهم من قوة الصبر والتحمل والإخلاص والتفاني أملًا فيما عند الله تعالى ورجاء ثوابه سبحانه- نحسبهم والله حسيبهم-. [19] كما جرى في حادثة المغول وانتهاك مؤلفات المسلمين بإتلافها ونهبها إذ بان حربهم للدولة العباسية. [20] شرح مقدمة صحيح مسلم للشيخ عبد الكريم الخضير حفظهُ الله، ج1، ص9. [21] جزء من مقال بعنوان "حقيقة الإسراء والمعراج" لفضيلة الدكتور راغب السرجاني، موقع قصة الإسلام: [22] الشريعة، ج3، ص 1126. [23] عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، الإمام المفتي الكبير أبو عبد الله، الفقيه، والد المفتي عبد الملك بن الماجشون، صاحب مالك، سكن مدة ببغداد، وحدث عن: الزهري، وغيره، وعدة من علماء بلده، كان ثقةً كثيرَ الحديث، فقيه النفس، فصيح، كبير الشأن. توفي سنة أربع وستين ومائة وصلى عليه المهدي. وقال ابن حبان: مات سنة ست وستين ومائة، قال: وكان فقيهًا ورعًا متابعًا لمذاهب أهل الحرمين؛ انظر: سير أعلام النبلاء، جـ7، ص309-311. [24] مجموع فتاوى ابن تيمية، ج4، ص7-8. [25] مقدمة جامع سُنن الترمذي. [26] مجموع الفتاوى، ج5، ص 18. [27] فتح القدير. [28] الإحكام في أصول الأحكام، ج1، ص95. [29] إسناده صحيح. وسُبحان الله! نجد في الحديث إشارة للمكتوب؛ فإن الكتاب لغةً اسمٌ للمكتوب، ويُقصد به هنا في الحديث "القرآن العظيم"، وفي ذلك إشارة إلى توثيق السنة وكتابتها وحفظها -وهو الواقع المشهود-. [30] مختصر الصواعق المرسلة، ج3، ص371. [31] ثم هم لا يشُكُّون فيما ورثوه عن آبائهم أنهُ حقٌّ وصدقٌ مأثورٌ عنهم؛ لذا اشتد نكير القرآن على أولئك المتمسكين بوثنيةِ الآباء والأجداد الأقدمين. وهم في ذلك أيضًا لا يُثرِّبون على من استمسك بها وإن كانت من جنس الخرافة والأساطير! في حين يأتي من يتمارى في أنباءِ الوحي التي هي الصدق المُطلق. ولا حول ولا قوة إلا بالله! وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. . مريم بنت حسن تيجاني الالوكة المصدر: mhiptv.org/forums jtsdv r,gi juhgn : ,lh [ugkh hgvcdh hgjd Hvdkh; Ygh tjkm ggkhs> |
06-04-2022, 10:11 PM | #2 |
المشــــــرف العـــــام تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 16,934
|
عَاشَتْ اَلْأَيَادِي وَجَزَاكَ اَللَّهُ كُلَّ خَيْرٍ
__________________
|
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
تفسير قوله تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ... ﴾ | zoro1 | قسم القرآن الكريم و الحديث الشريف | 1 | 01-04-2022 05:29 PM |
تفسير قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم...} | zoro1 | قسم القرآن الكريم و الحديث الشريف | 1 | 17-08-2021 06:10 PM |
تفسير قوله تعالى: { الم } | zoro1 | قسم القرآن الكريم و الحديث الشريف | 1 | 04-06-2021 10:31 PM |
تفسير قوله تعالى : الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار | zoro1 | قسم القرآن الكريم و الحديث الشريف | 1 | 07-08-2020 03:23 PM |
عودوا إلى خير الهدي | moha2020 | قسم القرآن الكريم و الحديث الشريف | 0 | 24-04-2020 03:10 PM |